عند كل مرة من دول كنت إنت تخاف وكان هو بيكبر جواك وبيكسب منطقة جديدة من روحك.. بياكل فيك بصمت وكأن هدفه استنزاف روحك
عن الخوف والفقد والغياب
(ماجي)
عن الخوف والفقد والغياب |
فاكرة إحساسك لما شوفتي ماما أو بابا وعياطهم علشان جدو أو تيتة راحوا عند ربنا ومش هنشوفهم تاني؟!
الخوف من
الفقد..
البُعبع اللي
عايش تحت سرير معظمنا..
اللي كنا بنخاف
ننزِّل رجلينا وإحنا صغيرين علشان هيمسكها.. بس كبرنا والبُعبع طلع من تحت السرير
ولقى لنفسه مخبأ جديد..
دخل جوة نفس كل
واحد فينا، ومن زمان فضل يكبر ويتشعب ويحتل مساحات أكبر جوانا..
بدأ من المرة
اللي فكرت فيها إنك ممكن تفقد ماما أو بابا وانت صُغير..
كِبر حبَّة لما
قمت من سريرك أول مرة، وروحت حطِّيت إيدك قُدَّام مناخير مامتك أو باباك علشان
تتأكد أنهم بيتنفسوا..
ويوم بعد يوم
كنت أنت بتكبر، وهو كمان بيكبر معاك وبيزداد توحُّش..
فاكر الخضَّة
اللي حسيت بيها لما عرفت إن فلان اللي معاك في الفصل باباه أو مامته ماتوا والزعل
اللي هو كان غرقان فيه؟!
فاكر إحساسك لما
اتخيلت نفسك مكانه؟!
فاكرة إحساسك
لما شوفتي ماما أو بابا وعياطهم علشان جدو أو تيتة راحوا عند ربنا ومش هنشوفهم تاني؟!
فاكرين أول حالة فقد ليكم أو لحد من اللي
حواليكم؟
عند كل مرة من دول كنت إنت تخاف وكان هو بيكبر
جواك وبيكسب منطقة جديدة من روحك..
بياكل فيك بصمت وكأن هدفه استنزاف روحك نقطة ورا
نقطة لحد ما أنت شخصيا تنتهي..
وكبرنا..
الغياب بيدخلك في دوامة أسئلة واحتمالات مالهاش نهاية
الفقد بقى جزء أساسي من حياتنا سواء فقد بالموت
أو فقد بالغياب والفراق..
فقد ورا فقد بيسرق جزء جديد من إحساسك بالأمان..
لكن سبحان من جعل الفقد بالموت أرحم وأحن.. لأنه
حاسم، وبيحطك قدام الحقيقة الوحيدة الأكيدة: إننا أموات ولاد أموات..
مجرد مسافرين على وش الدنيا بنسلم بعض للمصير
المحتوم..
ورغم أن الموت بقسوته بيقضي على فكرة إنك تشوف
فقيدك مرة تانية غير في الآخرة؛ لكن هيفضل أرحم من الفقد بالغياب.. لأن الغياب
بيدخلك في دوامة أسئلة واحتمالات مالهاش نهاية، أولها دايما: هو أنا غلطت في إيه؟!
وليه اللي غاب مشي؟!
وتبدأ سلسلة ملهاش آخر..
يتحول الخوف من الفقد لكيان صهيوني إحتلالي
اقتحم روحك، وسيطر عليها بمنتهى الوحشية، وعملياته الاستيطانية التوسعية عمالة
تزداد دموية ومقاومتك لوحدك لمواجهته بتخليك تكسب جولة وتنزف قصادها جولات
وجولات..
ما انت لوحدك في مواجهة الوحش الصهيوني دة،
وسلاحك الوحيد هو مقاومتك الفردية له، مستندا لبقايا قوة قديمة كانت جواك..
لا حد جنبك يمدك بالسلاح والدعم، ولا انت قادر
تروح تطلب المساعدة من حد لأنك عارف إن الكل غرقان في مشاكله وهموم حياته ودوامتها
اللي ما بتخلصش..
كل ما الخوف يستوطن مكان جديد جواك، كل ما إحساسك بالطمأنينة بينزوي ويخفت
ما انت أصلك من زمان عامل فيها عنتر زمانك..
القوي اللي مابيضعفش.. اللي مستحيل يقبل يشوف نظرة عطف أو شفقة في عيون أي حد أيا
كان هو مين..
ولأنك بيصعب عليك تشيّل حد همك، ما هو محدش ناقص
وكله فيه اللي مكفيه.. فتلاقي نفسك يا
مسكين واقف طفل وحيد بطوبة قصاد وحش بكامل سلاحه وعتاده اللي كسبهم من أوجاعك
وروحك المُنهكة المهربدة من كتر الفقد والخسارة والتعب في الحياة..
وكل ما الخوف يستوطن مكان جديد جواك، كل ما
إحساسك بالطمأنينة بينزوي ويخفت.. وفي كل لحظة بيقرب من لفظ أنفاسه الأخيرة جواك..
تكون النتيجة إنك بقيت مستنزف بالكامل، ومش قادر
حتى تسند نفسك تكمل تمثيل إنك حلو وكويس ورائع كعادتك وزي الفل..
محتاج تعمل هدنة مع خوفك إنه يرحمك شوية، ويوقف امتصاصه للحياة من روحك
بالعكس..
دة انت بقيت كاره اضطرارك إنك أصلا تلبس ماسك
السوبر هيرو اللي أنت مصدره طول الوقت للمحيطين بيك..
انت بتعترف أنك محتاج إستراحة محارب..
محتاج تقعد في كورنر تاخد نفَسَك..
محتاج تعمل هدنة مع خوفك إنه يرحمك شوية، ويوقف امتصاصه
للحياة من روحك بالشكل المرهق ده..
تفتكر أن الحل في العزلة عن الآخرين، اعتقادا
منك إن طول ما أنت بعيد مش هتحب ولا هتتعلق بحد، وبالتالي مش هتتوجع لو قرر أنه
يبعد، أو لو غيّبه الموت..
لكن بعد سنين من العزلة بتلاقي نفسك خسرت كتير
أوي وحرمت نفسك من متعة التواجد وسط ناس بتهتم بيك وبتحبك، فتلاقي احتياجك الطبيعي
والفطري للتواجد بين الناس بيرجعك من تاني تحاول تقرب من الآخرين ويكونوا جزء مهم
من حياتك، بس للأسف اللي راجع يبقى بينهم مش راجع لوحده.. دة راجع وهو تحت وطأة احتلال
الخوف من الفقد..
وتكون النتيجة إنك بتبدأ تتصرف وتتكلم وأنت
مرعوب طول الوقت من غياب اللي بتحبهم سواء أهل أو حبايب أو أصدقاء..
ولأنه كيان صهيوني؛ فبيقرر فجأة إنه يشن هجوم
عنيف على عقلك وقلبك، ويصحي جواك كل ذكريات ووجع، وألم الفقد اللي مر عليك في
حياتك كلها، ويدخلك في ألعن وأقذر نوبة هلع {panic attack}..
هلع إنك هتفقد العدد القليل جدا اللي بعد جهاد
طويل مع نفسك قدرت تنجح إنه يكون جزء من حياتك..
وتبدأ المجزرة..
مجزرة دموية بتستهلك تفكيرك وبتحرق قلبك وبتاكل
روحك.. ما هو انت خايف ومرعوب، ومحبوس جوه قفص بدون قضبان مش عارف تخرج منه، ومش
عارف تصرخ علشان حد يلحقك من غرقك جوه نفسك وخوفك..
ما هو انت لسه فيك جزء مش قادر يسمح لضعفه أنه
يبان للدرجة دي، وعمال يضغطك وكأن مش كفاية ضغط الخوف عليك..
وتتلفت
حواليك، نِفسك تلاقي مخبأ تلجأ له وتتخبى جواه من نَفْسك ومن كل الدنيا.. نِفسك في
إيد تطبطب وتحتوي روحك وتضمك لروحها وتقولك ماتخافش أنا جنبك ومعاك ومش هسيبك.. مش
همشي.. فتحس إن حد فصل عنك شحنة الكهربا العنيفة اللي كانت بتزلزلك وإن خوفك أخيرا
بيخفت وبيتراجع، وبيسكن مكانه ضيف جديد أول مرة تتعرف عليه.. ضيف رقيق جدا وبشوش
وحنين ووجوده بيشع دفا يسكن مكان برد خوفك ويعمّر الخراب اللي عمله الخوف
الإستيطاني اللي احتلك لسنين.. الضيف ده اسمه "الأمان".. يا الله.. الكلمة
لوحدها قادرة على تسكين كل وجعك وإجهادك.. مش لازم يكون المصدر قريب أو حبيب.. ممكن
يكون رفيق وصديق استحق ثقتك إنك تكشف عن جراح روحك المنهكة قدامه وتبين وشك
الحقيقي..
وش الطفل الخايف المذعور اللي نفسه يترمي جوة
حضن اللي منه، ويقول له أنا خايف أوي.. أرجوك ماتمشيش وخبيني.. أنا مبقتش قادر
أكمل لوحدي.. أنا تعبت ومستنزف، ومحتاج أسند عليك دقايق علشان أقدر أقف وأكمل،
وعلشان أسندك أنا كمان وأطمن خوفك، وأهدي من روع قلبك اللي نفسه هو كمان يحس
بالأمان زيي بالظبط..
تلاقي نفسك زي العيال كل شوية بتقول له ما تمشيش
علشان تسمع منه الرد اللي بينور روحك: مش همشي..
لكن في لحظة غدر تلاقي خوفك من الفقد قام من
مكانه، وخرج من القمقم اللي افتكرت إنك حبسته فيه؛ كقيام العنقاء من الرماد في
أسوأ هجمة مرتدة على كل أرجاء روحك وقلبك، فتدخل في نوبة هلع شرسة بتموّت كل أثر
للأمان والحياة جواك، فتبدأ تتلفت حواليك بمنتهى الرعب وتكتشف إنك لوحدك من تاني..
مش لأنهم مشيوا؛ لكن مشاغل الحياة سحبتهم بعيد عنك شوية..
يحاول يطمن نفسه بكذبة قديمة بيرددها
لكن..
لكن خوفك الصهيوني مش بيرحمك، ومستمر يضخم
هواجسك وكل رعبك ومخاوفك، وبيسيطر عليك ويشلّ كل حركة لعقلك، وتبدأ تتخبط بعنف في
كل اتجاه زي الغريق اللي بيدور على أي قشة يتعلق فيها علشان مايغرقش ومش قادر
يتنفس، وتخبُطه بيزداد عنف لأن خوفه ازداد توحش، وبيزهق روحه بأبشع المخاوف لنفسه
على الإطلاق: وهي "الوحدة"..
فيلاقي نفسه رجع من تاني عايز يهرب..
ماهو افتكر إنهم اتخلوا عنه وسابوه لوحده من
جديد..
فيقرر يرجع يلبس ماسك السوبر هيرو، وآخر الليل
يخلعه علشان يلتف حوالين نفسه في سريره في وضع الجنين بيترعش من خوفه ووجع روحه
وألم وحدته، ودموعه محبوسة جواه، ويحاول يطمن نفسه بكذبة قديمة بيرددها: أنا كويس..
أنا بخير..
لحد ما ينام وبرد الخوف احتل من تاني كل روحه
وقلبه ونفسه، وطايح فيهم عايز يرجَّع الخراب القديم، ويمحي كل أثر لنور ودفا
الأمان اللي اتوجد علشان في النهاية يصحى..
يصحى على شهقة طويييييلة ورعشة رعب، بسبب كابوسه
القديم اللي بيزوره كل ليلة على مدار سنين، علشان عارف إنه لوحده ومفيش معاه حماية،
غير شوية قوة مزعومة بتنهزم في لمح البصر قدام البُعبع القديم..
للأسف يا صاحبي كان نفسي أقولك إنك هتخف من دة
حالا، لكن دة مش حقيقي..
ولحد ما أنا وانت نعرف نلاقي حل، إيه رأيك إنك
تعتذر للقلائل اللي سمحت بوجودهم في حياتك عن لحظات هلعك وخوفك من فقدهم، واللي
خلتك قلت كلام قد يكون جارح ليهم بسبب بعدهم عنك شوية لضغوط حياتهم ومشاغلهم..
وحاول تفهّمهم بالراحة إنك مش متعلق في رقابهم
ومش عاوزهم مربوطين بحبل ليك طول الوقت، ولا محتاج بيبي سيتر تكون جنبك، وإنك كل
اللي عاوزه إنك تكون جنبهم وتشيل معاهم همهم وتحاول تكون جزء من حل مشاكلهم،
ويعرفوا إنك هتكون دايما موجود ليهم ودايما في ضهرهم، وإن دة مش علشان انت حد خالي
من المشاكل أو فاضي والفراغ قاتلك، وإنما علشان انت فعلا بتحبهم، وبتقلق عليهم،
وبتخاف من بعدهم ومن خسارتك ليهم..
ومفيش مانع تطلب منهم أنهم هم كمان يحاولوا
يتفهموا إنك بكل كيانك وجوارحك وقلبك ونفسك وروحك تحت الإحتلال..
وإن بربنا أولا، ثم بيهم ثانيا، هتقاوم وتعافر
لآخر نَفَس..
لأن شئت أم أبيت يا صاحبي انت فعلا محارب..
وحقيقي انت قوي..
حتى لو كنت خايف.
اقرأ أيضا
الأمان في العلاقات البشرية | كيف يمكن بناء علاقة ناجحة ومتينة؟!
COMMENTS