اعلم يا عبد الله أن الصلاة أمانة أمّنك الله عليها، وأمرك بأدائها إليه في أوقات بعينها

حي على الصلاة | أحمد الراوي

 

الصلاة

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي.

أما بعد،

سأحاول -والله المستعان- أن أكون بسيطًا مختصرًا في الحديث قدر المستطاع؛ عسى الله أن ينفع بهذا الطرح، وأسأل الله السداد فيه، والنفع به.

ما هي الصلاة؟

الصلاة لغةً هي الدعاء.

ويتجلى ذلك في قول الله تعالى:

(خُذۡ مِنۡ أَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ صَدَقَةࣰ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّیهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَیۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنࣱ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ)

[Surah At-Tawbah 103]

والمقصود: ادع لهم.

ولقوله صلى الله عليه وسلم:

إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُجِبْ، فإنْ كانَ صَائِمًا، فَلْيُصَلِّ، وإنْ كانَ مُفْطِرًا، فَلْيَطْعَمْ.

والحديث في #صحيح_مسلم

أما اصطلاحًا فهي عبادة لله -عز وجل- مرهونة بأقوال وأفعال مخصوصة ومعلومة، تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم.

لماذا أصلي؟ عليك أن تسأل نفسك هذا السؤال وأن تتوقف عنده بجوارحك.

فأنت متى أدركت لماذا تصلي والله لن تأخر فرضًا مهما كلّفك الأمر.

اعلم يا عبد الله أن الصلاة أمانة أمّنك الله عليها، وأمرك بأدائها إليه في أوقات بعينها.

قال الله عز وجل:

(إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ كِتَـٰبࣰا مَّوۡقُوتࣰا)

[Surah An-Nisa' 103]

فأنت إن نظرت لفريضتي الصوم والحج، وأنه لا ينبغي لك أن تؤديهما إلا في وقتهما لعجبت من تأخيرك لصلاتك عن وقتها.. فالأمر سواءٌ سواء.

والأعجب أنك تتكاسل عن ما استطعت إليه سبيلًا وتسأل الله حج بيته الحرام وهو الذي قال على لسان نبيه (لمن استطاع إليه سبيًلا)

اسمع معي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال:

إنَّ أولَ ما يُحاسَبُ به العبدُ يومَ القيامةِ من عملِه صلاتُه، فإن صَلُحَتْ فقد أَفْلَحَ وأَنْجَح، وإن فَسَدَتْ فقد خاب وخَسِرَ، فإن انْتَقَص من فريضتِه شيئًا، قال الربُّ تبارك وتعالى: انْظُروا هل لعَبْدِي من تَطَوُّعٍ فيُكَمِّلُ بها ما انتَقَص من الفريضةِ، ثم يكونُ سائرُ عملِه على ذلك.

#سنن_الترمذي

فليس لعاقلٍ يتمنى أن يدخل في رحمة الله أن يضيّع صلاته، فوالله ما خاب وخسر مثل مضيّعها.

فبالله عاهد الله على أداء أمانته واستعن به، واعلم أن الله قد يسّرها عليك يوم أن فرضها.

فإنها فرضت يوم فرضت خمسون صلاة في اليوم والليلة، والحديث يعلمه القاصي والداني من حديث ليلة الإسراء والمعراج ونذكر منه:

(فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ.

قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً)

#رواه_البخاري_ومسلم

كيف ألتزم بصلاتي؟

وهنا مربط الفرس الحقيقي..

أغلب المتكاسلين عن أداء الصلاة يريدون أن يصلوا، لكن كسلهم يغلبهم، وشيطانهم يلهيهم.

وأنا هنا لن أفرّق بين المتكاسل عن أدائها بالكلية والمتكاسل عن أدائها على وقتها.. لأنني سأقدم لهما النصيحة ذاتها فلا يشعر أحدهما أنه أدنى منزلةً من الأخر فكلاهما يريد رحمة الله.

أولًا: استعن بالله، بهذه البساطة.. ارفع يدك وادعه أن يحب لقاءك، فإن هو أحب لقاءك شرح صدرك للقائه وفتح لك كل باب يقربك إليه.

ثانيًا: حاول دائمًا أن تكون على وضوء، فإن من أكبر حيل الشيطان أن يدفعك للتكاسل عن الوضوء فيؤخرك ذلك عن الصلاة أو يضيّعها عليك؛ فاستعن على ذلك بأنك إذا أحدثت أو نقض وضوءك لأي سبب فجدده.

ثالثًا: أسبغ وضوءك، توضأ بتأني، فوالله لتجدن في ذلك سَكينة المتطهرين وطمأنينة المشمولين بمعية الله.

رابعًا: اصحب معك سجادة صلاتك أينما ذهبت، فلا ينتصر عليك شيطانك بـ (أين أو على ماذا سوف تصلي؟)

خامسًا: اعلم أن لمن تكاسل عن أداء الصلاة عقوبة رادعة، أسأل الله أن يرحمنا وإياكم.

(فَوَیۡلࣱ لِّلۡمُصَلِّینَ ۝ ٱلَّذِینَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ)

[Surah Al-Ma'un 4 - 5]

تخيل.. يصلي ويتوعده الله بعذاب لتكاسله وسهوه عن صلاته.. ونحمد الله ثم نحمد الله أنه قال (عن صلاتهم ساهون) ولم يقل (في صلاتهم ساهون) فوالله لو كانت كذلك ما نجى منّا إلا رسول الله.

سادسًا: اعلم أن الصلاة عاجلًا أو آجلًا ستحيلك إلى إنسانٍ أفضل، مطمئن القلب، تقي، يحفظ حرمات الله، لا يتجسس ولا يغتاب ولا يمشي بين الناس بالنميمة، ستخجل من نفسك لو بَذِئ لسانك.

(ٱتۡلُ مَاۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ)

[Surah Al-Ankabut 45]

فإن كنت تحب أن تهذب من نفسك فاستعن بالله وصَلِّ.

وروي أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ارتكبه، فوصف له عليه الصلاة والسلام، فقال: إن صلاته ستنهاه، فلم يلبث أن تاب.

يقول عمر رضي الله عنه: أما إنه لا حظَّ في الإسلام لمن ضيع الصلاة.

مر عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه فقال: يا حاتم كيف تصلي؟

قال حاتم: أقوم بالأمر، وأمشي بالسكينة، وأدخل بالنية، وأكبر بالعظمة، وأقرأ بالترتيل والتفكر، وأركع بالخشوع، وأسجد بالتواضع، وأسلمها بالإخلاص إلى الله تعالى، وأخاف ألا يتقبل مني!

فقال: تكلم، فأنت تُحسن أن تصلي.

فاعلم أن الصلاة هي أساس كل خير في الدنيا والآخرة وأنك والله تُضيّع نفسك بتضيّيعها.

واعلم أن لا وَحشة في طريق الله فاسلكه.

وأخيرًا:

في اللحظة التي سيتحول فيها شعورك تجاه الصلاة من أنه شيء ثقيل تقضيه لتعود إلى ممارسة حياتك إلى أنه حبلٌ تهرول إليه لتهرب من منغصات الدنيا.

فاعلم أنّك قد وصلت

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ أو نسيان، فمنّي ومن الشيطان.

والله على ما أقول شهيد.

اقرأ أيضا: ما بين العزلة والوحدة | تغريدات إيمان علي