خالد بن الوليد | حكاية سيف الله من مكة إلى مؤتة

مسيرة سيف الله خالد بن الوليد من البداية في قريش إلى معركة مؤتة التي أنقذ فيها جيش المسلمين من الهلاك أمام جيوش الروم، مرورا بقصة إسلامه ودوره البارز الذي أمال كفة المعركة لصالح الكُفّار في غزوة أُحد.

خالد بن الوليد | حكاية سيف الله من مكة إلى مؤتة

 

سيف الله - خالد بن الوليد

كتب - محمد جمال الدين

بدايات مقاتل

هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن مخزوم؛ وكنيته أبو الوليد.. يلتقي في النسب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مُرَّة بن كعب؛ الجد السادس للرسول.

كان أبوه الوليد بن المغيرة؛ سيد بني مخزوم، رفيع النسب لدرجة أنه في بعض الأحيان كان يرفض أن توقد نار غير ناره لإطعام الناس في موسم الحج... كان واحدا من أغنياء مكة، ولُقِّب بريحانة قريش..

كانت قريش تكسو الكعبة عاما ويكسوها الوليدُ عاما.

أما قبيلته بنى مخزوم؛ كان لها أمر القبة التى كانت تضرب ليجمع فيها ما يتم تجهيزه للجيش، وأيضا كان لها قيادة الفرسان في كل حروب قريش.. كان لبني مخزوم أيضا الشرف ببناء رُبْع الكعبة وحدهم بين الركنين الأسود واليماني.

وكعادة سادة قريش أن يرسلوا أولادهم وهم صغار للصحراء، لكي يشتد عودهم ويصبحوا أقوياء من جو الصحراء، وقد ذهب خالد إلى الصحراء من أجل هذا السبب ورجع بعد ذلك إلى والديه وهو في السادسة من عمره.

تعلم خالد الفروسية وهو في سن صغير، أبدى فيها مهارة غير مسبوقة ومتفوقا على كل أقرانه، وكان صاحب قوة واتسم بالشجاعة والإقدام والمهارة وخفة الحركة في الكر والفر... كان خالد من أفضل فرسان عصره.

قيل أن خالدا كان شديد الشبه بعُمَر بن الخطاب رضي الله عنهما حتى أن ضعيف النظر كان لايستطيع أن يفرقهما عن بعضهما.

 

المقاتل الفذ

في وقت بعثة الرسول دارت غزوات بين المسلمين وقريش، ولكن خالدا لم يشترك في أول الغزوات (بدر)؛ والتى وقع فيها شقيقه الوليد أسيرا في يد المسلمين...

ذهب خالد وشقيقه الآخر هشام لفدائه؛ ولكن الوليد بعد فترة من فدائه ترك قريش ورجع هاربا إلي يثرب معلنا إسلامه.

كانت غزوة أحد أول غزوة اشترك فيها خالد مع المشركين، وكان يتولى وقتها ميمنة جيش الكفار.. لعب خالد دورا مهما وبارزا في هذه الغزوة، عندما تيقَّن أن رُماة جيش المسلمين هموا بالنزول من مواقعهم كي يجمعوا الغنائم، ظنا منهم أن المعركة قد انتهت لصالح المسلمين.

بسبب ذكاء خالد وحيلته وعبقريته الحربية، التف بجيشه حول مؤخرة جيش المسلمين، وقلب هزيمة قريش إلى انتصار.

شارك خالد أيضا في غزوة الأحزاب؛ حيث تولَّى هو وعمرو بن العاص مسئولية تأمين مؤخرة جيش الكفار، حتى لايتبعهم المسلمون.

 

إسلام خالد بن الوليد

أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الوليد بن الوليد؛ وذلك أثناء أداء المسلمين عمرة القضاء في العام السابع الهجري ليسأله عن خالد، وكتب له:

ما مثل خالد يجهل الإسلام

اقرأ أيضا: لماذا كان محمد صلى الله عليه وسلم على رأس أعظم الشخصيات أثرا في التاريخ

وعلى أثره أرسل الوليد رسالة إلى أخيه يدعوه فيها إلى الإسلام، وليلحق بركب المسلمين.. فوافقت هذه الرسالة هوى خالد بن الوليد، وعزم على الهجرة إلى مدينة رسول الله لمبايعته وإعلان إسلامه؛ وعرض الأمر على صفوان بن أمية وعلى عكرمة بن أبي جهل، فرفضا الانضمام إليه، وبينما هو في طريقه إلى يثرب قابل عمرو بن العاص رضى الله عنه مهاجرا للبيعة ولإعلان إسلامه، وكان معهما أيضا عثمان بن طلحة العبدري..

اقرأ هنا: عمرو بن العاص | من رحلة الحبشة إلى فتح مصر

دخل الصحابة الثلاثة يثرب في العام الثامن الهجري؛ وعندها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن مكة قد ألقت إلينا فلذات أكبادها.

 

عبقرية حربية ظهرت في مؤتة

انضم خالد للجيش الذاهب إلى مؤتة؛ وكان عدده ثلاثة آلاف مقاتل.. وقد كان النبي اختار زيد بن حارثة في قيادة الجيش، ويخلفه جعفر بن أبي طالب، ثم يخلفه عبد الله بن رواحة رضى الله عنهم جميعا؛ ثُم إن قُتِل الثلاثة يختار المسلمون قائدا لهم من بين الجيش.

عندما وصل المسلمون إلى مؤتة؛ وجدوا أن جيش الروم حوالي مائتي ألف مقاتل.. بدأت المعركة بعد تشاور بين القادة، واستُشهد القادة الثلاثة، ثُم واجه المسلمون موقفا صعبا بجيش بلا قائد.. حينها اختار المسلمون خالدا ليتولى قيادة الجيش، واستمر القتال إلى آخراليوم، وعندها قرر خالد بذكائه أن يقوم ببعض التعديلات والتغييرات في صفوف الجيش، فنقل ميمنة الجيش إلى ميسرته، وميسرة الجيش إلى ميمنته، ومُقَدِّمة الجيش جعلها في المؤخرة، وجعل مؤخرة الجيش مقدمته، ثُم أمر بعض الجيش أن يثيروا الغبار من بعيد، ليظن العدو أن المسلمين أتاهم مددا كبيرا..

عندما تلاقى الجمعان؛ وجدت كل أجنحة جيش الروم بأن وجوه من يقابلهم من جيش المسلمين قد تغيرت، فظنوا أن مددا جاءهم..

عندئذ انسحب جيش الروم ، وبفضل ذكاء ودهاء خالد وفطنته حافظ على جيش المسلمين من الهلاك.

رجع المسلمون إلى يثرب، وحينها لقب رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا بـ"سيف الله".