كيف يكون الحب دافعا للتضحية؟ وكيف يدفع المحبين لاختيار إفناء كل منهما حياته في حياة المحب الآخر؟ لماذا يكون الصبر هو المفتاح، والسبيل إلى الجائزة الأخيرة؟ فاطمة رجب تكتب في مشهد رقم (2) إجابات هذه الأسئلة، بتصور حزين كما فعلت من قبل في "مشهد بلا عودة".
مشهد (2) – لما تلاقينا | فاطمة رجب
لما تلاقينا - فاطمة رجب |
أريدها
مستلقٍ على فِراشهِ، الجميع حولهُ وهو
ينازع من شدة الألم، وشفتاه تُردد: "أريدها".
البعض يتساءل: من هي؟!
والبعض الآخَر يندهش؛ هل لازال يتذكرها ؟!!
أثناء محاولة الطبيب لتهدئته؛ تُسمَع طرقات تدق باب الغرفة.. فتدخل هي
بـقلب مُرتجف، يفصلُها عنه بعض الخطوات، تُريد أن تراه بعد ذلك العمر..
نعم؛ سبع سنوات مضت على فراقهما..
تتذكر ذلك اليوم الذي أخبرها فيه عن مرضهِ وقراره المؤلم.. أن يفترقا.
اقتربت من مجلسه، والجميع في حالة ذهول تام، فهُم يعلمون جيداً قصة
الحب التي كانت تجمعهما.
هُنا عزم الحضور على المغادرة، وتقدمت هي بخطوات متلعثمة، وقلب يشُقُّه
الحنين، ثم جلست على مقربة منهُ حتى أحَسَّ وجودَها.
لا شئ يحدث سوى لمعة عيناه، وابتسامة شفتاه، وقلبها المرتجف عند رؤيته..
شريط ذكرياتهما يمر في ثوان؛ كأنه حدث البارحة.. كلاهما يتذكر ما مر عليهما من حب
ووعد صادقين، وكلاهما في تلك اللحظة يثق أن قلب الآخر لم يتسع لأحد سواه حتى الآن.
الوقت يمرُ مع ثبوت ذلك المشهد طويلاً، فـكلاهما لا يصدق أن الحياة قد
جمعتهما ثانية؛ ثم أخذا يتبادلان الحديث بينهما..
حلم طال انتظاره
سألها دون أن يفكر: "هل تقبلين أن ترافقي قلبي في لحظاته الأخيرة؟!
هل تقبلين أن نحقق ما اشتهت أرواحنا طويلاً؛ ولم نستطع؟؟
نعم؛ هل تقبلين اليوم أن تكوني زوجة لي؟؟"
نزلت عليها الأسئلة كالصاعقة، لكن طُبِع على قلبها بصمة فرح.. بصمة
راحة لم تذُقها منذ زمن بعيد.. حقاً هي لم تصدق أن بعد تلك السنوات المُرَّة،
والفراق المؤلم، أن يجتمعا سوياً ويكونا معاً..
استجمعت
شتات فِكرها، ورعشة قلبها، ثم تحدثت إليه قائلة: "لقد عشت سبعُ سنوات أدعو
الله أن نجتمع على عهده، إن لم يكن في الدنيا، ففي جنته نلتقي.. نعم عهدٌ عليَّ
ألا يملأ قلبي أحدٌ غيرك طيلة العمر..
سبع سنوات لم تغب عني.. سبعُ سنوات أُؤمن أننا سنلتقي".
انتهت من حديثها، ثم نظرت إليه بوجه المحب، وأومأت برأسِها موافِقةً..
وفي غضون ساعات قليلة؛ تم عقد قرانهما، دون أن يفكر أحدهم ماذا حدث،
وما الذي سيحدث؟!
معاً
بعد أن تم العقدُ خرج الجميع، فطلب منها أن تساعدهُ في الوضوء؛ يريد
أن يصلي بها؛ وبالفعل ساعدتهُ حتى فرغ من وضوئه ثم توضأت هي، وقاما ليصليان برغم ما به من ألام تنهش جسده..
هو لم يشعر بشئ سوى قلب قوي داعٍ لله أن يمد عمره، ولو دقائق أخرى قليلة
معها.
فرغا من الصلاة، ثم أمسكت به حتى عاد إلى فراشه..
أمسكت بيده وسألته: "ماذا تريد الآن؟".
اعتدل في جلسته، ووضع رأسه على كتفها قائلاً: "منذ لحظات قليلة
كنت أريد الكثير والكثير، لكن الآن لا أريد شيئاً، فقد تحقق أصعب ما كنت أحلم به..
قد تحقق مبلغي البعيد.. نعم؛ قد تحققتِ أنتِ".
نَظَرَت إليه مبتسمة، ومالت برأسها على رأسه قائلة: "التقينا على
الحب معا، وسنبقى عليه معاً"
فراق بعد لقاء
بعد مرور بعض الوقت؛ دقَّت أخته باب الغرفة، فقد حان وقت جلسة العلاج..
قامت بطرق الباب عدة مرات، لكن دون إجابة..
انتظرت بعض الوقت؛ ثم عادت بطرق الباب مرة أخرى؛ لكن دون جدوى.. لا
أحد يستجيب..
ساور قلبها القلق.. ما الذي حدث؟!
اضطرت أن تدفع الباب لترى ذلك المشهد..
مستلقٍ هو على ظهره، وهي مائلة الرأس على صدره؛ ماسكةً بيده.
وبرغم خوف الأخت، والقلق الذي تملك من قلبها، أَحَبَّت ذلك المنظر، و
ظنت أنهما نائمان؛ فأخدت تنادي عليه مرة، وعليها مرة، علّهما يستيقظان؛ فقد تأخر
على جسلت العلاج؛ لكن دون جدوى.. لا أحد منهما يستجيب للنداء.
أسرعت لأخبار والدها، فأتى وبصُحبته الطبيب المُعالِج..
النهاية
لأول وهلة؛ ظن الطبيب أن تكون غيبوبة كـالتي حدثت له كثير من المرات في الآونة الأخيرة..
لكن أخبرته أخته أنها هي أيضاً لا تتحدث، ولا تستجيب للنداء..
قام الطبيب بإجراء بعض الفحوصات عليهما، فجحظت عيناه، وكاد قلبه أن
يتوقف..
"ما الذي حدث؟"
بدأ يحدث نفسهُ..
"سبع سنوات فراق، والتقيا اليوم كي يذهبا معاً؟!!!"
الأخت والأب في حالة ذهول بقلبين مرتعبين..
التفت إليهما الطبيب قائلاً:
"كنتُ على علم بسوء حالته، وبتلك الآلام التي تمكنت من جسده.. كنت
أحاول معالجته، إلا أنني كنت أعلم أن المرض في أقصى مراحل خطورته.. لم أعلم حقَّا
أن الله يحبهُ ويحبها هكذا، وأنه – سبحانه - سيكون لطيفاً بهما إلى هذه الدرجة..
لم يرِد الله أن تتوجع هي على فراقه، أو يتوجع هو عند رحيله بدون أن يلقاها.. ما كل
هذا الحب الذي كان يكنّه كل منهما للآخر؛ فيجتمعا ليُفارقا الحياة معا.."
نعم؛ قد فارقا ولم يكن هذا هو الفراق الأول لهم، لكن هذه المرة كان
الفراق مرضياً لقلوبهما.
قد تعاهدنا على الحب معاً؛ ورحلنا عليه معاً
هذه الكلمات رأي يُعبِّر عن كاتبه
COMMENTS