في موطني أسير في الشارع.. ألتفت يُمنة ويُسرة.. لا أستبعد أن يتم التحرش بي في أي وقت.. لا أستبعد أن يدهسني حادث سير بسبب سوء الطرق، ولن تتحمل الدولة نفقة علاجي.
موطني | بقلم (شيرين أحمد)
يوم
أن أرتحل عن موطني، لن يكون لضيق الحال والبحث عن لقمة العيش.. لن يكون لجمع
الأموال أو البحث عن رفاهية زائدة وخدمات مجّانية.
لن
يكون بسبب تدني الوضع الاقتصادي واغتصاب أغلب الحقوق.. لن يكون بسبب الإرهاب
أوالتخريب.
يوم
أن أرتحل، وأُخلّف ورائي موطني، لن يكون لأي شيء سوى أنني خائف.
لم
يعد شعور الأمن متاحًا، أنت مُراقب وخائف ومُستهدف.
المواطن!
هو الضحية الأولى والوحيدة للأوطان.. هو قُرْبان الشكر الذي تقدمه لآلهة السلطة.
المواطن
يُحرَم من حقه في التعليم.. حقه في العمل.. حقه في أن يحيا.
المواطن
يُجَّوَّع، يُهان، يُعَرّى.
دمه
مُستباح، حرمته مُستباحة، حياته مُستباحة.
المواطن
في موطني هو الشيء الوحيد الذي لا تسعى السلطات لرفع ثمنه.
من أصبح منكم آمنا في سربه
لم
أُدرك أن هذه هي نعمة عُظمى، إلا بعدما كبرت في موطني.. أدركت أن الأمان
والطمأنينة في المبيت من أرزاق اللّه وألطافه.
وفي
موطني، فقدت ذاك الشعور.. في موطني أبيت وأنا لا أستبعد أن تنهار البناية فوق رأسي،
نظرًا لردائة مواد الصنع.
لا
أستبعد أنْ يهاجمني اللصوص، أو أن يُقتَل أحد أطفالي أو حتى أُقتل أنا.
في
موطني أسير في الشارع.. ألتفت يُمنة ويُسرة.. لا أستبعد أن يتم التحرش بي في أي وقت..
لا أستبعد أن يدهسني حادث سير بسبب سوء الطرق، ولن تتحمل الدولة نفقة علاجي.
في
موطني أُهان في الشوارع والمتاجر والمواصلات العامة، في المستشفيات، في الحدائق،
وفي الجامعات.
في
موطني يَحْيَى المواطن على الإهانة ويموت عليها.
كيف
ليّ الآن ألا أخاف؟
أنا
خائف من أن تُطمَس هويتي، وأتطبَّع بدلًا بهوية جديدة، حتى أتكيف مع الوضع الراهن.
خائف
من أن يضيع ذاك الشعور بالانتماء، الذي - للأسف - لا زلت أشعر به.
خائف
لأنني عندما أُنشِيء أولادي على أرض ذلك الوطن وعلى حبه، سَيَشْقُون بذلك الحب مثلما
أشقى، لن يجدوا تلك المبادئ التي أُربّيهم عليها، ولن يجدوا تلك المدينة الفاضلة
التي أتغنى لهم بها.
ذلك
لأن الوطن لا يحبك، وإن أحببته ومُت من أجله.
في
موطني، أصبح السكان مَوْتَى، دُمىً متحركة تهيم بلا وِجهة.. أصبحت كل الوجوة
متشابهة، وكل القول واحد.
في
موطني ضاع الحق بينهم.. كثُرت الطُرق للضلال والنهاية واحدة.
في
موطني صار المواطنون ذئابًا، ينهشون بعضهم قبل أن تنهشهم السلطات.. عظُمت الخطايا
بينهم، والكل يرقص فوق جسم جريمة؛ هي نزعة الأخلاق في الإنسان.
في
موطني، تُسرق الأحلام بل ويُفرض عليها الضرائب.. في موطني عليك أن تفكر قبل أن تفكر،
وقبل أن تتحدث، وقبل أن تُبدع.
في
موطني، أن تكون إنسانا صالحا هو أصعب شيء قد تمر به.
في
موطني يحارب المواطنون بعضهم ويحاربهم الوطن.. المواطن هو الجريح والقاتل، هو
المجني عليه والجاني في آنٍ واحد.
في
موطني ستفقد عقلك إن تأملت الأشياء.. إن حاولت ربط الخيوط أو حاولت فهم ما يدور.
في
موطني تُطمَس الحضارات، يُسلَب الحاضر، ويضيع المستقبل.
رغم
كل هذا، أنا لا أستطيع منع صدري من أن ينبض بحبه.. لا أستطيع منع هوان روحي إن
فُقدت فداه.. لا أستطيع منع استباحة دمي قربانًا لأرضه.
لن
أنزعج إن سقط اسمي وعلا اسمه.. لا أستطيع أن أقتل شعوري بالامتنان له، وبالسخط
عليه في نفس الوقت.
موطني..
أنا أحبه، لكنني خائف ومتعب ومستنزف.. لهذا إن ارتحلت عنه، لأنني لا أود أن تهتز
صورته في عيني، أود أن أراه المبيت والأمان والملجأ والمُستقر.. لأنني في موطني
خائف
أن أكره موطني.
في
موطني.. أنا خائف من موطني، وعلى موطني.
هذه الكلمات رأي يُعبّر عن كاتبه
COMMENTS