تدمير نموذج البطل في مصر مقابل تعزيز صورته في إسرائيل.. ما بين أفورة صناع الدراما هنا وفي الكيان الصهيوني، سيرجي كوربوف بيكتب عن حروب الجواسيس
حروب الجواسيس بين الواقع والشاشات | كيف دمّر صُنّاع الدراما نموذج البطل؟! | بقلم (سيرجي كوربوف)
المسلسل القصير The Spy أو الجاسوس،
واللي بيتعرض على شبكة نتفليكس Netflix، بيحكي قصة العميل الإسرائيلي رقم 88 "إيلي كوهين" اللي تم زرعه
داخل سوريا مع بدايات ستينيات القرن العشرين، وكان له علاقات متشابكة ووثيقة
بقيادات في حزب البعث والجيش العربي السوري، على رأسهم "ميشيل عفلق"
مؤسس حزب البعث، والجنرال "أمين الحافظ" شخصيا اللي أصبح رئيس سوريا بعد انقلاب 1963م.
"كامل أمين ثابت"، أو "إيلي كوهين" أهلّته موهبته لاكتساب
ثقة كل الناس من حواليه تقريبا، وكان واحد من مستشاري "أمين الحافظ"
القريبين، واللي كان على وشك يعينه كنائب لوزير الدفاع السوري، كأكبر منصب وصل له
جاسوس أو عميل في التاريخ تم الإعلان عنه..
المسلسل طبعا بيتناول وجهة النظر الإسرائيلية للقصة، وطلع ضعيف جدا على
مستوى الكتابة والحبكات.
إيلي كوهين بعد إعدامه |
بس فيه نقطة مهمة لاحظتها، تتشابه مع مثيلتها في عمل آخر من إنتاج نفس
الشبكة.
العمل دة هو فيلم The Angel أو الملاك.
الفيلم بيتناول قصة الدبلوماسي ورجل الأعمال المصري "أشرف مروان"،
واللي عرفنا مؤخرا بناء على كتاب بنفس الاسم إنه كان عميل بيشتغل لصالح الموساد
الإسرائيلي لسنوات طويلة..
"أشرف مروان" كان متزوج من "منى" بنت الرئيس
المصري "جمال عبد الناصر" ، واشتغل مدير مكتب الرئيس "أنور السادات"..
فيلم The Angel
بردو بيتكلم عن حدوتة جاسوسية من وجهة النظر الإسرائيلية... وهنا نتكلم عن المهم.
مسلسل الجاسوس وفيلم الملاك، الاتنين بيحكوا قصص أبطال بمنظور
الصهاينة.. أبطال قدموا للحكومة الإسرائيلية معلومات كتيرة وكبيرة من داخل قمة هرم
السلطة في دولتين عربيتين بحجم مصر وسوريا.. الأبطال اللي ضحوا وعاشوا مخاطر
مختلفة وتحت ضغوط نفسية رهيبة.
عشان كدة كان لازم الدراما تطلّعهم في أحسن صورة ممكنة يشوفها المواطن
الصهيوني أو المشاهد الموجود في أي مكان في العالم.. ودة طبيعي طالما العامل مُسيّس وله أغراض أبعد من الدراما في حد
ذاتها.
اللي لاحظته في العملين إن كل من "إيلي كوهين" و"أشرف
مروان" كان متجوز، والعلاقة اللي بينه وبين زوجته كانت قوية جدا وعاطفية جدا
جدا.. والاتنين عاشوا في أوساط كان قدامهم مُغريات كتير للدخول في علاقات نسائية
متعددة.. لكنهم كانوا دايما بيختاروا عدم الانغماس في النوعية دي من العلاقات في
صالح الإخلاص لزوجاتهم.
التوجه دة بيوصّل ببساطة فكرتين عن الشخصيتين دول؛ الفكرة الأولى إنهم
أقوياء جدا قصاد أي حاجة، والفكرة التانية بتوضح منطقية إزاي هم مخلصين للوطن في
حالة "إيلي"، أو لمبدأ السلام في حالة "أشرف".
الإخلاص للبيت والزوجة كان امتداد طبيعي له الإخلاص للوطن أو للمعتقد
والفكرة، فأصبحت الصورة النهائية للمُشاهد المقصود بالعمل هي صورة البطل والنموذج
والقدوة..
أصلا كان تعرضهم للمغريات من النوعية دي كان بيتم حشرها حشر في السياق
الدرامي في لحظات عابرة قليلة، ومكنش تقريبا بيكون مبني عليها أحداث كبيرة بتغير
مسار القصة والأحداث.
لو قارننا صورة "إيلي" و"أشرف" - اللي
الإسرائيليين حبوا يظهروها - بصورة العملاء المصريين "رفعت الجمال" في
مسلسل (رأفت الهجان) و"عمرو طلبة" في مسلسل العميل (1001)، واللي تم
تصويرهم بناء على قصص عملاء مصريين فعلا تم زرعهم في الداخل الإسرائيلي.. هنلاقي العكس
تماما.
رأفت الهجان |
العلاقات الغرامية ل"رفعت" و"عمرو" كانوا هم أساس
انتشارهم وتغولهم داخل المجتمع الصهيوني..
الكُتّاب حطوا السيناريوهات من غير أي اعتبارات للخلفية الثقافية
والدينية والاجتماعية اللي الاتنين دول خرجوا منها.. فكان البطل مُنفصل سلوكيا عن
باقي المصريين رغم إنه عاش بدايات حياته وسطهم في مصر..
بصراحة، أفورة صُّناع الدراما عندنا طلّعت أبطال مشوهين، للأسف عكس
أفورة الإسرائيليين.
COMMENTS