ماتت كاميليا لأعيش أنا | كلميني.. إيه الكلام – سلسلة يكتبها (محمد جابر)

سيرة القصّة استمرّت بينَ الألسنة، استَقَوا منها قصصًا أشارَت للفاجعة بينَ التلميح والتصريح، جسّدوا الصراع في روايات وأفلام مثل "حافية على جسر الذهب".

ماتت كاميليا لأعيش أنا | كلميني.. إيه الكلام – سلسلة يكتبها (محمد جابر)

تَحت بند تساؤلات لا تَحظى بأي إجابة..

في مُقتبَل شهر سبتمبر لعام ألف وتسعُمائةٍ وخَمسين، وبينما كانَ الحاج "سعيد" مُنكفيء مُنشغِل بأعمال الحَرث في أرضه التي يعيش من خَيرها وتعيش هي في وجدانه.. تفاجأ بطائرةٍ مِن طراز لوكهيد A749 تَدنو منه، ابتلعَ ريقه، حكّ عينيه، الأمر حقيقي..

تَدنو كثيرًا حتى سقطت مُحترقةً وانفجَرت وأعلنت وفاة خمسة وخَمسينَ سائحًا ومصريةٍ وحيدة!

أين؟

في حقول الدلنجات بمُحافظة البحيرة!!

خرَجَت نَجمة ميرلاند (اسم الطائرة) من الهند تعتزِم الوصول إلى آيدل واليد بنيويورك، وفي الطريق ستَقِف بالقاهرة ثُم روما..

يتنامى اسم الفنانة "كاميليا" آنذاك، موهبة جيدة وأنوثة مُتفجّرة تكفي لمُغازلة القلوب، كُل القلوب..

أحبّها المُخرج أحمد سالم، واشتراها منه "فَنيًا" يوسف بك وهبي، نفثَت عن كهولته الغبار وأعادته يافعًا، ولا يسلَم الأمر دونَ المرور على الدنچوان رُشدي أباظة..

كانَ صائدًا ماهرًا لا تستعصي أمامه امرأة، أحبها وما استطاعَت أن توقف شغفها تجاه هذا الرجل اللعوب..

في بَـهو القَصر، وبينما كانَ يجلِس بمُنتهى اللامُبالاة يحتسي الشاي الذي صنعه فرنسي وأعدّه تُركي وقدّمه سوداني، طالَعَ صورتها على طليعة مجلّة من مجلّات الفَن..

لفّ شاربه، جفّ ريقه فابتلعه علّ لعابه يعود لترطيب ذاكَ الجفاف، رفعَ الفنجان وزمّ شفتيه للأمام ساحبًا جُرعة، تناوَلَ مُكعّبًا من السُكر ودسّه بالفنجان..

الجوع الغريوي يستدعي أيضًا بعضًا من الجوع للطعام.

لمعَت عيناه واستدعى سكرتيره الخاص، أتّى وانحنى لحَصد التبريكات، نظرَ الملِك له بأعيُنٍ مُتسعة: أُريدها، وأشار بسبابته لصورتها..

بالفِعل، خلقوا مُصادفةً في كازينو حليمة بالاس، أو قصر حليمة، على ضفاف النيل، التقى الملك فاروق بالمُمثلة الواعدة كاميليا، أو بالأحرى ليليان ڤيكتور ليڤي كوهين.

أرى وجهك الذي انقلَب فورَ رؤية "كوهين".. كانت مصرية مِن مواليد الإسكندريّة.. والدتها إيطالية، أمّا الوالد فلا يُستدَل على أصوله، مسيحية الديانة كاثوليكيّة المَذهب، رغم وجود ما يجعلها على صلة باليهوديّة..

أحبها الملِك، ذابَ فيها، فاروق عُرِف عنه ولعه بالنساء، وكاميليا كانَت ذكيّة فضلًا عن الأنوثة الفائرة، وإذا كانَ الجمال الفائر مُصيبة فالذكاء الأنثوي كارثة، والويلُ عندما يجتمِع الإثنان معًا.

بالفعل، اعتزم فاروق تطليق الأميرة فريدة.. مهما كانَ الذوقُ مَلَكيًا، فالنوم إلى جوار الملكة فريدة ليسَ بلذّة النوم إلى جوار كاميليا، أو رُبما فوقها.. لا أعلَم.

عامانِ من الهيام والغرام.. فكّر الوسيم رُشدي أباظة أن يدنو منها فجاءَ إليه مكتوب يُفيد بدنو المَوت منه، فتراجَع.. تراجَعَ على مَضض!!

قامت حَرب 48 الشهيرة، مـِسمارًا قويًا بنَعش المَلك، هزيمة نكراء وسقوطٌ وشيك، تخلّى عنه الجَميع وكانَ أهلًا للتخلي عنه وقتها.

اشتَكَت كاميليا ألمًا في معدتها، تلقّت اقتراحًا بالذهاب لأوروبا بسبب تكرار الألم.

الطائرة رقم 903 تأتي من مومباي ومعها ظرفٌ به رسالةٌ سوداء، لوضع تتر نهاية أحدهم رُبما.

أنيس منصور الصحفي الشهير يستعد للسفر، تمرَض والدته مرضًا جسديًا، ورُبما كانَ سياسيًا، فجأة تتحوّل تذكرته إلى ملكيّة الفنانة كاميليا التي صممت أن تشتريها بمالها.

صعدَت الطائرة من القاهرة، مرّت تسع عشرةَ دقيقة، احترقت فورَ تعطُّل موتورها الثالث، هبطت فوق الدلنجات، خلّفت جُثثًا مُتفحمة وقطعة من فُستان ساتان أخضر، قطعة نجَت بأعجوبة، كانت تتوشّح بها كاميليا.

التحقيقات قالت عُطل، والتقصيات أكّدت أن الحادث مُدبر وأنّ أيادٍ خفيّة عبثت بالطائرة إبان انتظارها بالقاهرة.

أعلنت الجرائد عن أول حادث لتحطُّم طائرة مدنيّة بمصر، والتقارير قالت أنها كانت جاسوسة سرّبت أسرار القصر للموساد فحلّت الهزيمة، وآخرون قالوا أنّ الحرس المَلَكي أرادَ إزاحتها من أحضان الملِك العاشق الذي يحمِل أثمن أعضائه على كَتـفه.

سيرة القصّة استمرّت بينَ الألسنة، استَقَوا منها قصصًا أشارَت للفاجعة بينَ التلميح والتصريح، جسّدوا الصراع في روايات وأفلام مثل "حافية على جسر الذهب".

يتزايد الألَم عادةً عندما يُفرِط المـرء في الحب، ويُبالِغ في عدم النسيان.

تتوارَد أنباء مَـرضه، باغته هبوطٌ حـاد، كابَرَ، وقاومَ وعَـلَا واستَعلى.. شيءٌ مـا بداخله يرفُض المَرَض، يرفُض الإقرار به، يُنكِر حـتّى أسبابه ومُسبباته.

الأوراق الرسميّة تَضعه في توصيفٍ سرطان المُخ، أمّا الواقع أنّـه كانَ قد علق بها.

مرت السنون..

نُقلِ للمُستشفى في يوليو الأسوَد.. السماء أرادَت وضع تتر النـهاية.. رحلَ وهي حيٌّة بداخله، بكي كثيرًا وكثيرًا جدًا.

في حياة كُل إنسان نقطة لا تعود بعدها الحـياة أبدًا كما كـانت، تلكَ كانت نقطة رشدي اباظة للأسف.

اقرأ أيضا

ما بين القرب من، والبعد عن الناس | كلميني.. إيه الكلام - سلسلة يكتبها (محمد جابر)

هِيَ | كلميني.. إيه الكلام – سلسلة يكتبها (محمد جابر)

البرغوث الأرجنتيني ليونيل ميسي | شيطان أحبه الجميع

ملف المستقبل | عندما عشنا مغامرات الخيال العلمي في أيام الطفولة الأولى