رُبَّما كان هناك خوف، قلق، تردد، شكّ أحيانًا. لكن كيف لك أنْ تستيقن ممَّا أقبلَت عليه روحُك دون إرادة منك؟!
سراب | (رسائل مبعثرة) - محمد ندا
رسائل |
عانيتُ كثيرًا وأنا أُحرِّض قلمي على الكتابة؛ فلا الكلمات تنساب كما كانت، ولا الصَّمت عاد يُجدي كما كان.
أن تستحضر شيئًا يُعبِّر عمَّا
بداخلك، وتصوغه في عبارات وكلمات متراصَّة لَهُو بالأمر العسير. الأمر الذي يجعلك
تفكّر مليًّا قبل كل كلمة: أهذا حقًا ما أشعر به؟ أم إنني يخالطني من الأفكار والشواغل
ما يناقض بعضُها بعضًا؟
هل أنا ناقمٌ ساخط؟
هل أنا مُستسلم قانع؟
هل أُحب؟
هل أبغض؟
التفكير في شيء يشغلك، والسياحة
فيه، والغوص في بحاره حتى الغرق... ما لي وكل هذا؟!
قال لي أحدُهم ذات مرَّة:
«نحن أصبحنا في زمنٍ خطير؛ لن تنفعك اليقظة والثَّبات على ما بداخلك، لأنَّك ستُدمَّر ذاتيًّا ممَّا سترى وتُكابد، ولن ينفعك التغافل والانسياب مع السَّائد المُتاح، لأنَّك لن تتحمَّل كونك سائرًا مع القطيع؛ فصار الاختيار صعبًا، والامتناع أصعب».
«نحن أصبحنا في زمنٍ خطير؛ لن تنفعك اليقظة والثَّبات على ما بداخلك، لأنَّك ستُدمَّر ذاتيًّا ممَّا سترى وتُكابد، ولن ينفعك التغافل والانسياب مع السَّائد المُتاح، لأنَّك لن تتحمَّل كونك سائرًا مع القطيع؛ فصار الاختيار صعبًا، والامتناع أصعب».
لقد أضحت الحياة قاتمة، مُظلمة، يملؤها
الضَّجَر؛ وكأنَّك لا تفعل في حياتك إلَّا أنَّك لا تفعل!
أنت لم تكن تفكّر في شيء، لم يكن
يخطر ببالك أن تتنفَّس روحك من جديد، من حيث لا تدري؛ غير أنَّ الأقدار غالبة
دومًا.
لستُ أرى في ذلك المعنى إلَّا أنَّ
الروح قد اهتدت إلى رفيقها في الوجود، الملاذ الذي تلجأ إليه حيث لا ملاذ، القلب
الذي يسَع ما لم يسعْهُ غيره. معنًى مُحقَّق، ناضج، شبه مكتمل. شيء عزيز تحمله
بداخلك، تحفظه، تخاف عليه من أن يُمسّ.
رُبَّما كان هناك خوف، قلق، تردد، شكّ
أحيانًا. لكن كيف لك أنْ تستيقن ممَّا أقبلَت عليه روحُك دون إرادة منك؟!
الحرص والحذر لا ينفعان؛ هذا يناقض نقاء
وشفافية ما بداخلك. كل ما هنالك أنَّك صدَّقت، فوثقت، فأحببت!
من الناس يا صديقي من يبذل كل ما يملك من
أجل لحظات صادقة كتلك، هو لا يرى غاية من الوجود غير أن يفعل ما يؤمن به ويصدّقه؛ أم
إنَّ الحياة أقبح وأسخف من ذلك كله؟!
ستفتقد تلك الحالة الجميلة من الامتزاج، من تبادل أطراف الحديث في كل شيء:
في الحب، في أحلامنا الصغيرة، في الأدب والكتابة، في الموسيقى والسينما، (في المُقاطعات الدائمة لك
من دون أي سابق إنذار)، في التفاهة والفراغ أحيانًا، في الحزن والشجن... في
الحياة!
لو كنت تعلم أن ما بذلتَه لم يكن في مكانه الصحيح، لم يقدَّر حق قدره، لم
ينَل ما يستحقه من قداسة وجلال، لو كنت تعلم ذلك؛ أظنّك لم تكن لتفعل!
ربَّما أنت مَن صنعتَ ذلك المعنى؛ نسجْتَ خيوطه، وأكسبتَهُ رونقًا وبهاءً يناسب
صفاء روحك، فكان صورة أفلاطونيَّة تخيَّلتَ تحقُّقَها؛ غير أنَّ تلك الصورة لم تكن
إلَّا بداخلك أنت، لتكتشف في النهاية أنَّ كل ما بذلتَهُ كان من أجل سراب!
وبرغم كل ذلك، فلم تكن إلَّا صادقًا أراد أن يتبيَّن لصدقِهِ طريقًا إلى
الحياة. وإن كان غيرُك لا يستحق، لأن ثمَّة
فجوة ما تحول دون ذلك، فجوة امتدَّ أثرُها إلى التشكُّك والتشكيك في كل معنى لديك.
المعنى الذي بذلتَ من أجلهِ، أكبر وأعمق من كل ذلك، متجاوزٌ للأشخاص
وللظروف، متجاوز للعَقَبات، متجاوز لكل شيء.
الحب يا صديقي: مبدأ ومُنتهى، مرتبة
عالية، سرٌّ روحي أعظم. هو بمثابة قارب النَّجاة للمسلوبة قلوبهم، والشاردة
أرواحهم..!
هذه الرسائل رأي يعبر عن كاتبه.
(ربما لا نشاركه وجهة النظر ذاتها، لكننا مُحمَّلين بأعباء كأعبائه)
COMMENTS