تركيا ودورها القادم في العالم | نظرة في كتاب صدام الحضارات

كيف توقّع صمويل هنتنجتون في كتابه صدام الحضارات منذ أكثر من 25 عاما أن تستأنف تركيا دور الامبراطورية العثمانية في قيادة العالم الإسلامي ؟

تركيا ودورها القادم في العالم | نظرة في كتاب صدام الحضارات

الكتاب تركيا

هل سمعتم عن أطروحة الصدام الوشيك بين حضارات العالم الكبرى، والتي قدمها صمويل هنتنجتون في كتابه " صدام الحضارات – إعادة صنع النظام العالمي " ؟

هل تلاحظون مدى التطابق المذهل بين نظرية هنتنجتون التي طرحها الكتاب عام 1993، وبين التطورات الحادثة في العالم؟

هنتنجتون

صمويل هنتنجتون كان مدرسا للسياسة في جامعة هارفارد، وتخرج على يديه كثير من الساسة في العالم.

 وبحسب تصنيف الجامعة، يُعد هنتنجتون واحدا من أكثر علماء السياسة تأثيرا في النصف الثاني من القرن العشرين.

حياته كانت حافلة بالعمل في عدة مجالات، فقد شارك في تأسيس مجلة الفورين بوليسي، وعمل مخططا أمنيا مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، كما عمل مستشارا لكثير من كبار رجال السياسة في الولايات المتحدة، وترأّس العديد من المراكز البحثية.

تُوفّي صمويل هنتنجتون في 24 ديسمبر من عام 2008.

الكتاب تركيا

الفكرة المركزية لصدام الحضارات

في كتاب صدام الحضارات، تمركزت فكرة صمويل هنتنجتون الرئيسية على  أن الصراع في العالم بعد الحرب الباردة لن يكون صراعا قائما على أيديولوجيات الدول القومية..

بل سيكون مرتكزا على الخلاف الديني والثقافي بين الحضارات الكبرى في العالم..

وهذا في الغالب ما نراه في الصراعات العالمية الحالية.

دول المركز والدوائر المتحدة المركز والنظام الحضاري

العنوان السابق هو عنوان الفصل السابع في كتاب " صدام الحضارات – إعادة صنع النظام العالمي "

في هذا الفصل تحدث هنتنجنون عن صعود الغرب في بدايات القرن العشرين، وتأثيره الذي قلّل من شأن الامبراطورية العثمانية حتى انتهى أمرها.. فأصبح الإسلام بعد سقوطها بدون دولة مركز.

غياب دولة مركزية للعالم الإسلامي طوال ما يقرب من قرن كامل، كان له تأثيرا رئيسيا على كل الصراعات التي يشهدها المسلمون، ذلك بخلاف أن هذا الغياب كان مصدر ضعف لهم.

يتساءل هنتنجتون :

هل من الطبيعي أن يستمر حال الحضارة الإسلامية بهذا الشكل؟

فهناك العديد من المقومات الصعبة، والواجب توافرها كي تتشكل دولة مركزية للحضارة الإسلامية..

 هذه المقومات هي مقومات الدول التي تقوم بدور القيادة في عالمنا اليوم..

الموارد اقتصادية،

والقوة العسكرية،

والكفاءة التنظيمية،

والهوية الإسلامية..

غير أهم مقوّم وهو التزام المسئولين عن قيادة وحكم الدولة المركزية بتفعيل دورها السياسي والديني كي تكون مركزا للأمة.

دول تقود الأمة الإسلامية

افترض هنتنجتون أن هناك 6 دول إسلامية مرشحة لقيادة العالم الإسلامي.

وتحدث عن أسبابه لترشيحه كل دولة على حدة،

ثم استبعد واحدة تلو الأخرى، كي تتبقى دولة مرشحة بقوة أن تكون الدولة المركزية للأمة الإسلامية.

إندونيسيا

إندونيسيا هي أكبر دولة إسلامية.

اقتصادها ينمو بشكل متسارع..

لكنها دولة بعيدة جدا عن تكتل الدول الإسلامية، بحسب تعبير صمويل هنتنجتون، دولة تقع على حدود الإسلام وعن مركزه العربي.

كما أن الإسلام فيها عبارة عن تشكيلة تعكس الثقافات المختلفة في جنوب شرق آسيا.. الثقافات الصينية والهندوسية والبوذية والمسيحية.

مصر

مصر بلد عربي كبير.

تعداد سكانها ضخم.

موقعها مهم جدا في الشرق الأوسط من الناحية الاستراتيجية والجغرافية.

مصر تمتلك الأزهر.. المؤسسة التي تُعتبر قائدة التعليم الديني في العالم الإسلامي.

لكن مصر مع هذا كله دولة فقيرة.

دولة تعتمد على القروض والمعونات.. سواء من المؤسسات الدولية أو الولايات المتحدة أو الدول العربية النفطية.

وبالطبع هذا يؤثر بشكل كبير على استقلال قرارها وسيادتها.

إيران

إيران لها ثقل سياسي، وموقعها استراتيجي، وتعداد سكانها كبير، ولديها تقاليد تاريخية، وتملك موارد نفطية ضخمة. علاوة على ما سبق إيران لديها المستوى الجيد من النمو الاقتصادي.

كل ما سبق يؤهل إيران كي تكون دولة مركز للأمة الإسلامية.

لكن،،

إيران دولة شيعية، في حين أن 90% من المسلمين في العالم سُنّة.

اللغة الفارسية هي اللغة الثانية في الحضارة الإسلامية، وفارق كبير جدا بينها وبين اللغة العربية التي تحتل المركز الأول.

أيضا لا أحد ينسى العداء التاريخي بين الفرس والمسلمين، ذلك العداء الذي لا زال يلقي بظلاله على علاقة إيران بباقي الدول الإسلامية.

باكستان

باكستان تملك ما تملكه إيران من ثقل سياسي،

ولديها القدرة العسكرية الضخمة.

عدد سكانها كبير.

غير أن زعماء باكستان على مر السنين لعبوا أدوارا كبيرة في الدعوة للتعاون بين الدول الإسلامية.

لكن..

باكستان فقيرة نسبيا، كما يؤرقها تلك المشاكل الإثنية بين سكانها.

هذا علاوة على الانقسامات الإقليمية وعلى رأسها مشكلة كشمير مع الهند.

المملكة العربية السعودية

أرض السعودية هي مهد الإسلام.

يوجد عليها الحرمين الشريفين.

اللغة العربية هي اللغة الرسمية.

كما أنها تمتلك أعلى احتياطي نفطي في العالم، مما يجعل لها نفوذا ماليا على كيانات ودول عديدة.

حكومة السعودية شكلت مجتمعها على خطوط دينية متشددة.

ولا أحد ينسى أن السعودية في السبيعينيات والثمانينيات كانت أكبر قوة إسلامية مؤثرة، وكان لها دور عظيم في بناء المساجد ودعم الجماعات الجهادية، ونشر الكتب، ومساعدة الأحزاب والمنظمات الإسلامية.

لكن هناك مشكلتان تمنعان السعودية من قيادة العالم الإسلامي:

أولاهما:

قلة عدد سكانها.

وثانيهما:

عدم حصانتها جغرافيا مما يجعلها تعتمد على الغرب في تأمين حدودها.

تركيا

تركيا لديها تاريخ عريق.

تعداد سكانها كبير.

كما أن مستوى النمو الاقتصادي بها مقبول.

تركيا تمتلك التماسك الوطني، والتقاليد العسكرية والكفاءة.

لكن أتاتورك وعلمانيته حرموا تركيا من إكمال دور الامبراطورية العثمانية في قيادة العالم الإسلامي.

والدليل أن تركيا لم تستطع أن تكون عضو ميثاق في منظمة المؤتمر الإسلامي بسبب دستورها العلماني.

ولو استمر وجود هذا الدستور لن تكون تركيا دولة مركز للأمة الإسلامية.

لاحظوا طبعا أن هذه الرؤية  نُشرت سنة 1993 م

يتساءل هنا هنتنجتون: ماذا لو أعادت تركيا إعادة تعريف نفسها؟

ثم يقدم إجابته:

من الممكن عند لحظة معينة أن تتخلى تركيا عن دورها المُحبِط في استجداء عضوية نادي الغرب.

في هذا التوقيت ستستأنف دورها التاريخي الأكثر رقيا، كمُحاوِر رئيسي باسم الإسلام، عندها ستكتسب عداوة الغرب.

رأى هنتنجتون أن الأصولية الإسلامية تتصاعد في تركيا العلمانية في عهد الرئيس تورجوت أوزال.

الكتاب تركيا

الرئيس الذي بذل جهدا جبارا لإعادة صياغة علاقة تركيا بالعالم العربي والإسلامي.

فكان لها دور تاريخي في دعم مسلمي البوسنة.

تنفرد تركيا من وسط كل الدول الإسلامية بصلاتها العميقة والمتشعّبة بالمسلمين في البلقان، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى.

هنتنجتون توقع أن تتخلى تركيا تدريجيا عن علمانيتها الغريبة عليها، مثلما تخلت جنوب إفريقيا عن العنصرية والاضطهاد.

وبالتالي يمكن أن تتحول من دولة منبوذة وسط شعوب حضارتها، إلى دولة تتزعمها كما وصف.

لكن هناك شرطان أساسيان يجب أن يتحققا كي تستطيع تركيا استعادة دور الإمبراطورية العثمانية من جديد:

- أن تتخلى عن تراث أتاتورك بشكل شامل.

- وأن تجد زعيما يجمع ما بين الدين والشرعية السياسية.. زعيم بحجم أتاتورك نفسه.

هذا الزعيم يمكن أن يعيد بناء تركيا ويستطيع تحويلها من دولة ممزقة إلى دولة مركز تقود الحضارة الإسلامية.

هذا ما كتبه العالم السياسي الأمريكي صمويل هنتنجتون، ونشره سنة 1993.

فما مدى اقتراب كلامه من الواقع الحالي من وجهة نظركم؟

اقرأ أيضا

السيطرة على العالم | تاريخ الذهب والنقود ومشوارهما الطويل لاستعباد البشرية

الدم يقابله الدم.. الموت يقابله الموت | كيف كانت ستالينجراد نقطة تحول في مسار الحرب العالمية الثانية ؟

اللاوعي وأثره في تشكيل الوعي | رؤى (مولانا العارف) - بقلم محمود فوزي